إتقان العمل في الإسلام

إتقان العمل في الإسلام يَعتبرُ الإسلامُ إتقان العملَ وسيلةً من وسائل المسلم للرزقِ الحلالِ، بل إنّه عبادة خالصة؛ فالدين الإسلامي يدعو المسلم إلى العمل والانطلاق، وعدم الفتور والكسل، فعلى المسلم أن يكون إنساناً إيجابيّاً ينطلق في هذه الدنيا نشيطاً طالباً الرزق من الله وما يُعدّه له من الخير الكثير، وهذا الخير لا يأتيه إلا بالعمل المُتواصل، وأن يستشعر المسلم مُراقبة الله تعالى في كل خطوة يخطوها في عمله، وأن يُؤدّي العمل الذي بين يديه على أتمّ وجه وأحسن حال، فالعمل في الدين الإسلاميّ عبادة، وقد أخبر بذلك الله سبحانه وتعالى في كتابه الكريم، وذكره رسوله -عليه الصّلاة والسّلام- بكل أنواعه ومُختلف مجالاته المُباحة، وهذه العبادة يُؤجر عليها المسلم إنْ قام بها وأدّاها بحقّها، وأخلص في عمله بكل ما آتاه الله من قوّة وعزيمة صادقة.
وقد ذكر مسلم في صحيحه حديث أنس عن أهميّة العمل، فقال: عَنْ أَنَسٍ بن مالك رضي الله عنه قَالَ: قَالَ الرَسُولُ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: (مَا مِنْ مُسْلِمٍ يَغْرِسُ غَرْسًا، أَوْ يَزْرَعُ زَرْعًا، فَيَأْكُلُ مِنْهُ طَيْرٌ، أَوْ إِنْسَانٌ، أَوْ بَهِيمَةٌ، إِلَّا كَانَ لَهُ بِهِ صَدَقَةٌ).

وإتقانُ العملِ في الإسلام فريضةٌ على المسلمِ، ذلك أنَّ أيّ عملَ يقوم به المسلمِ في الحياةِ الدنيا مهما صَغُر واستهان به الفرد كان عبادةً وجهاداً لهُ إذا صحّت فيهِ النيةُ وكانت خالصةً لله سبحانه، وكذا في العمل إن قدّمَ عملهُ بإتقانٍ وأمانةٍ.
قال صلى الله عليه وسلم: (إِنَّ اللهَ عَزَّ وَجَلَّ كَتَبَ الْإِحْسَانَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ)؛ فالإنسانُ خُلق وكُلِّفَ بعبادةِ اللهِ عزّ وجل على أكمل وجه، وهو أيضاً مُكلّفٌ بواجباتٍ عديدةٍ ومُختلفة يُؤدّيها بأمانةٍ وإخلاصٍ تجاهَ أسرته ومُجتمعهِ والمكان الذي يعيشُ فيهِ، فعليهِ تقديم يدَ العونِ ومساعدة الآخرينَ في قضاءِ حوائجهم، والعمل على تسهيلِ أمور حياتهم، كما عليهِ إتقانُ العملِ الذي يقوم به؛ فالإنسانُ ما خلقهُ اللهُ عز وجلَ إلا ليعملَ ويعمرَ الأرضَ، قال تعالى: {هُوَ أَنْشَأَكُمْ مِنَ الْأَرْضِ وَاسْتَعْمَرَكُمْ فِيهَا}.
فلا يكفي من الإنسانِ ولا يرضى منه عزّ وجلّ عبادته فقط، بل وجب عليهِ العملُ بجدٍ واجتهاد وهمّةٍ عاليةٍ، وعليه إتقان ما قدّمه من عمل لينال التوفيق والنّجاح في الدنيا، والأجرَ والثوابَ في الآخرة من اللهِ سبحانهُ. قال رسول الله عليه الصّلاة والسّلام: (إنَّ اللهَ تعالى يُحِبُّ إذا عمِلَ أحدُكمْ عملًا أنْ يُتقِنَهُ)، وقال تعالى: {وَقُلِ اعْمَلُوا فَسَيَرَى اللَّهُ عَمَلَكُمْ وَرَسُولُهُ وَالْمُؤْمِنُونَ وَسَتُرَدُّونَ إِلَى عَالِمِ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ فَيُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ}.
وفي الآية دليل واضح في الحث على إتقان العمل، وأنّ الله سبحانه سيُخبر كلّ فرد يوم القيامة بالعمل الذي قام به، ومقدار ما ناله من أجر وثواب على عمله. إتقان العمل في السنّة النبويّة وردت في السنّة النبويّة أحاديث كثيرة تحثّ المسلم على إتقان العمل وتشجعه على ذلك، منها: قول رسول اللهِ عليه الصّلاة والسّلام: (إن الْعَبْدُ إِذَا نَصَحَ لِسَيِّدِهِ وَأَحْسَنَ عِبَادَةَ اللَّهِ، فَلَهُ أَجْرُهُ مَرَّتَيْنِ)؛ فقيام المسلم بالعملِ على أتمِّ وجهٍ تكون عبادةً تُضاعِفُ الأجرَ، ولا يفهم من هذا الحديث عامّة النّاس فقط بنصحه وإتمام عمله، بل هو شامل ينطبقُ على جميعِ الأعمالِ وكافّة المُستويات، وعلى كلِ من أُوكل إليه أمرٌ من أمورِ المسلمين، فالعبرةُ في الدين عمومِ اللفظِ لا بخصوصِ السّببِ. وحديثُ الرَّسولِ -عليه الصّلاة والسّلام-: (إِذَا قَتَلْتُمْ فَأَحْسِنُوا الْقِتْلَةَ، وَإِذَا ذَبَحْتُمْ، فَأَحْسِنُوا الذِّبْحَةَ، وَلْيُحِدَّ أَحَدُكُمْ شَفْرَتَهُ، وَلْيُرِحْ ذَبِيحَتَهُ)، الاستدلال هنا في الحديث أنَّ على العبدِ المسلم إتقانُ العملِ، حتى وإن كانَ هذا العمل في ذبحِ الحيوانات، فمن باب أولى الإتقان في باقي الأعمال الأخرى.
قال رسول عليه الصّلاة والسّلام: (كُلُّكُم راعٍ وكُلُّكُم مسؤولٌ عن رعيتهِ)، دلالة هذا الحديث السابق أنّ إتقان العمل واجبٌ شرعيّ على كل مُوظفٍ وعامل مهما كانت وظيفتهُ؛ فالحاكمُ أو السلطان عليهِ إتقانُ عملهِ، والأب في أسرته مسؤولٌ عن بيتهِ ورعاية أبنائه رعايةً سليمةً، وكذا الزوجةُ راعيةٌ في مالِ زوجها، وعليها المُحافظة على الأمانةِ التي كُلّفت بحملها، وإتقانُ العملِ في تربية أبنائها تربيةً سليمةً. آثار وفوائد إتقان العمل.

آثار وفوائد إتقان العمل
إتقان المسلم لعمله واجبٌ شرعيّ وأخلاقيّ، وله آثار عديدة، منها:
*الأجر والثواب الذي أعدّه الله سبحانه في الآخرة لمن أتقن عمله في الدنيا، والنصوص السابقة دليل واضح على ذلك. ينال المُتقِن التوفيق والنجاح في الدنيا، وبإتقانه في عمله يدعم نجاحه في المُجتمع الذي يعيش فيه، فيرفع بذلك من مُعدّل الإنتاجِ ونوعيّته، وينتشر الخير والفائدة جميع المُجتمع الإسلاميّ.
* المُتقِن لعمله يبتعد عن الرّياء والسمعة ويُحذّر من النّفاق، ويُحاسب نفسه على كل عمل يُقدّمه أو يصدر عنه؛ لأنّ المسلم إذا شعر بمراقبة الله سبحانه له أتقن عمله، ونال بذلك محبّة الله ومحبّة العباد، وعليه أن يُراقب عمله؛ فإن كان منه خالصاً لله عز وجل فليتمّه، وإن كان في العمل شيء من الرياء فليتركه.
*في إتقان العمل تحقيق لنجاح المُجتمع المُسلم، وتعزيز لقوّته في مُواجهة أعداء الإسلام، وإظهار لقوّة المسلمين وعدم حاجتهم لغيرهم. المُتقن لعمله يكتسب مَحبّة الآخرين من حوله، ويرتقي بمُستواه الإجتماعيّ ومستواه الفكريّ، فهو دائم نشيط يسعى للتطوّر والارتقاء في العمل. المراجع